محليات

زواج القاصرات .. طفلات بفستان الزفاف .

الخميس 03 أكتوبر 2019 03:15 صباحاً عدن بوست - ابراهيم ناجي:

برزت ظاهرة الزواج المبكر للقاصرات وبشكل لافت في المجتمع اليمني وبالذات في السنوات الأخيرة وفي ظل إستمرار الحرب وتشرد أكثر العائلات وغياب التوعية والعوز والفقر الذي جعل بعض الاسر توافق على زواج طفلة قاصرة لم تبلغ السن الحقيقية للزواج ، ناهيك عن الأمراض التي قد ترافق مثل هذا الزواج مستقبلا إن كتب له النجاح ..

 

وتظهر إحصائيات لمنظمات محلية نسب كبيرة تجعل من الزواج المبكر على رأس قائمة ممارسات العنف ضد المرأة، حيث يتسبب مثل هذا الزواج بمشاكل ذات أوجه اجتماعية وصحيّة وإنسانية متفاوتة ، الأمر الذي جعل اكثر الناشطين والمهتمين في مجال حقوق الإنسان يطالبون بوضع قانون يجرم مثل هذا الزواج مع إستمرار الجدل وعدم وجود فقرة قانونية صريحة تجرِّم زواج القاصرات في القانون .

 

وكان تقرير صدر عن مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء قد ذكر أن نحو 52 بالمائة من الفتيات اليمنيات تزوجن دون سن الخامسة عشرة، خلال الاربعة الاعوام الماضية ، لتصل نسب حالات الطلاق فيما يخص زواج الصغيرات إلى ما يقارب 65 بالمائة من حالات الزواج ، منها 70 بالمائة في المناطق الريفية.

 

وحول الظاهرة هناك قصص إنسانية مبكية ففي حكاياتهن وجع وفي صمتهن صرخات لا يسمعها ولا يتحسسها إلا من ذاق ألم أن تساق "طفلة "لمجرد رغبة أو خوف من الفاقة والفقر والهروب من غدر الزمان ووحشيه الإنسان في زمن الحرب .

 

 

زواج إجباري..!

 

 

ايناس ع ن من مديرية الازارق محافظة الضالع 13عام تم تزوجيها من شاب يكبرها بعشر سنوات تقريبا دون أن يكون لها أي رأي في الموضوع بعد أن كانت طالبة في الصف السادس في مدرسة القرية الريفية ، تقول والدة ايناس ع ن

وفقا للعادات المتعارف عليها بالمنطقة "ان البنت لامجال لها غير الزواج وانها "مهما تعلمت ضروري من ان تتزوج عاجلا أم آجلا" ، وتشير إيناس التي إلتقتها إحدى صديقاتها الموفودة من قبلنا إلى أن الزواج تم وعندما زفيت إليه استقبلني زوجي الشاب "نزيه م ن" مثل أي عريس وأراد الدخول بي في نفس الليلة الامر الذي جعلني مرعوبة طوال الليل إلى ان أتى الصباح ففكرت بالهروب إلى بيت أبي الذي لايبعد عن بيت الزوجية سوى نصف كيلومتر فقط وتضيف : فعلا هربت وتركوني انام طيلة اليوم في بيت والدي إلى أن قدم المساء فجاء زوجي ووالده وآخرين يطالبون بعودتي وأن ماقمت به "سود وجه أبي واقربائي "حسب قولهم الامر الذي جعل أبي ووالدتي يضغطون علي بالعودة رغم توسلاتي إليهم..

 

وتواصل ايناس حديثها "ذهبت مرغمة لكن ما أن وصلت حتى تشبثت بوالدة زوجي وأترجاها ان تنام معي واستمر الحال أيام وأنا اتعرض لضغوط وسب وتلميحات من نساء مقربات بدعوى أنني أتظاهر بالخوف وافتعل الهروب وتارة بأني محرضة من حبيب آخر..!! .

 

وتابعت إيناس : "مع مايحدث لي من خوف وذكريات أول ليلة مع زوجي الذي هجم علي كالوحش الكاسر جعلني أكره الجلوس بجانبه ولا أطيق حتى النظر إليه فضلا عن لنوم على الفراش، لهذا اخترعوا حكاية أني ممسوسة بالجن وأني مسحورة ليبدأ فصلا جديدا من المعاناة استمر لثلاثة أشهر مع قراء الرقية الشرعية والشعوذة وآلام الكي بالكهرباء والضرب وعلاجات الأعشاب التي كنت أتجرعها مكرهة ومغصوبا علي من قبل والدي وأخي .

 

وأضافت "إيناس"لكن الحال لم يتغير وكلما حاولوا اغلاق باب غرفة النوم أو حوش البيت أشعر بالظلمة وكأن روحي تخرج من ثقب إبرة .

 

وتقول عمة إيناس "أنه وبفعل التركيبة القبلية وعدم قبول حتى فكرة طلب رأي الفتاة لم تستطع الفتاة ان تبوح لهم بالحقيقة فاستمر الحال ومن هروب لآخر إلى أن تشعبت الامور بين والد إيناس وأهل الزوج وتدخل وجهاء ومشايخ المنطقة واعطوا لوالد الزوجة القاصرة مهلة شهر واحد لعلاجها من السحر حسب إعتقادهم وإعادتها لبيت زوجها  سامعة مطيعة أو إرجاع كل ما خسره الزوج وبالفعل قام والد إيناس بعلاجها من قارئ إلى آخر، إلى ان حان الموعد واكتمل الشهر دون أي نتيجة تذكر..

 

وتقول إيناس "أنه وفي كل هذه الفترة تعرضت للضرب والتعنيف والتحقير ليكتمل الشهر والامر كما هو لم يتغير شيء" ليجتمع الوجهاء والمشايخ مرة أخرى ويطالبوا بإرجاع كل ماخسره الزوج وهو ماحدث بالفعل .

 

 وهكذا إنتهى زواج خمسة أشهر بتخليص القاصرة إيناس من الزواج الإجباري بالتوافق على الطلاق.

 

 

سلعة وليس فتاة..!

 

 

المأساة لا تقف عند زواج الصغيرات بحجة الستر والخوف عليهن من الضياع بحسب ماهو متعارف في المجتمع اليمني القبلي بل لتأمين لقمة العيش لأسرهن والهروب من الفاقة والفقر..

 

والدة الطفلة"نظمية 14عاما "من الضالع - أيضا -  تحكي قصة إبنتها المؤلمة جدا والتي جعلت أبوها الفقير والمحتاج يوافق على زواجها من رجل ثلاثيني مصاب بحالة نفسية وتشنجات عصبية تفقده الكلام والحركة في أغلب أيام الاسبوع ..

 

تحكي والدة نظمية قصة زواج ابنتها الطفلة التي يشع في وجهها براءة الطفولة ولكن لم تكن تعلم أن العيشة الصعبة التي عاشتها مع والديها ما هي إلا قليل من كثير حد قولها فلم يهتم بها أحد أو بتعليمها ، فوالدها عسكري ثم متقاعد قسريا وجل الاسرة مشغولون بتوفير لقمة العيش لأسرة مكونة من 9أفراد.

إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أخبرهم إبن خال نظمية بأن شخصا من المدينة"وتبعد عن قرية نظمية 6كيلومتر تقريبا" يريد يد إبنتهم وقام بتزكية "العريس" عندهم وأخبرهم أنه فقط هادئ لايحب الإختلاط مع الناس ويتكلم مع نفسه أحيانا لكنه طبيعي ويحتاج جلسة علاج "رقية شرعية"أو جلستين فقط .

 

وتواصل والدتها : ولأن "إبن الخال"مقرب منهم "وثقنا فيه" وامام حاجة الاب والاسرة قبلوا الزواج وبمبلغ كبير وأقنعوا البنت بأنه هذا نصيبها ولابد من أن تتزوج وبحسب المفهوم القبلي "جنب الرجال ولا جنب الجدار"

 

 

وبهذا تم إقناع الطفلة"نظمية" وإغرائها بالفساتين والذهب والأحذية البراقة فتعاملت مع هذه الأشياء بفرحة وسعادة لأنها لم تكن تراها في البيت حينها نظرا لفقرهم الشديد.

 

وتسترسل الحديث قائلة: وفعلا تم الزواج والمفاجأة أن الزوج لم يتكلم معها ولم يجلس معها لاسبوع كامل وفي ذات ليلة والطفلة بغرفتها وحيدة دخل عليها كالثور الهائج يبحث عن دولاب الملابس وقام بتكسيره واحراق مابداخله لتبكي الطفلة وتولول حتى سمعها الجيران وأسرة الزوج ، ليقوموا بإخراجها من غرفة نومهما  وهي ترتجف كالعصفورة المبلولة من شدة الخوف لتكمل نومها عند إحدى النساء المقربات من الزوج .

 

وتكمل ولدتها " في اليوم الثاني تم الاتصال بوالدها ليأتي لأخذها ومنذ ذلك اليوم إلى اليوم والقضية مازالت في أروقة المحاكم .

 

 

خطر صحي !

 

 

وفي سؤالنا للدكتورة اروى مثى إستشاري نساء وولادة بالضالع عن الأمراض المترتبة على مثل هذا الزواج قالت..

 

إن الزواج المبكرة آفة إجتماعية برزت مؤخرا وبشكل غير متوقع ينبغي الوقوف عندها وتوعية المجتمع من هكذا زواج مشيرة الى أن الطلاق سيكون حتميا لعدم وجود التفاهم بين الزوج والقاصرة والتي عادة ماتكون غير ملمة بفكرة الزواج ناهيك عن الامراض الملازمة لها كالإلتهابات وإذا قدر الله وحملت بمولود ،  فطبيعي ان تبدأ المشاكل المرضية والصحية التي لاأول لها ولا آخر نظرا لصغر الحوض وظهور أعراض الحمل بشكل كبير على القاصر وتكون معرضة لإسقاط الجنين في الشهور الأولى والسبب في ذلك يرجع إلى ضعف العامل الجيني, وأضافت الدكتورة أروى "يرافق فترة حملها نزيف ومضاعفات وفقر دم وغالباً ما تكون الولادة متعسرة ولن تكتمل الا بعملية قيصرية مع إحتمالية وجود تشوهات خلقية لدى الجنين" .

 

 

في القانون..!

 

 

المحامي علي هادي يرى أن القانون اليمني لم يشدد على مسألة زواج القاصرات وبالتالي فالمحاكم وضيفتها اقتصرت على انجاز واستكمال توقيع عقد الزواج دون تدخل منها في تحديد سن الزواج إلا في حالات نادرة يقابل العقد بعدم القبول والإمضاء إذا كانت الزوجة أقل من عمر 18عام ، لاسيما والمأذون الشرعي أو الامين الشرعي هو المسؤول الاول والأخير عن صياغة العقد وإنفاذة ..

 

واوضح هادي إلى أن العديد من الحالات عادة ماتنتهي بالطلاق نظرا لعدم الإستعداد للزواج أو التأقلم معه نتيجة المشاكل المتراكمة والتي تبدأ بعد الزواج مباشرة .

 

 

مضاعفات نفسية:

 

 

وعن الآثار النفسية المترتبة على زواج الصغيرات يلخص استاذ علم النفس بجامعة الضالع الدكتور عبدالله الجحافي المشكلات المترتبة على مثل هذه الحالات الناجمة عن الزواج المبكر، لأنها أي الصغيرة لم تستوعب فكرة الزواج كونها زفت دون حتى تهيئة نفسية وجسمية وعقلية وخاصة في الزواجات التقليدية في مناطقنا كونه حصل فجأة ودون سابق إنذار وهي لا تعرف شيء ولا تشعر بشيء لا بالرغبة الجنسية ولا العاطفية,  ويتابع الجحافي : الأسوء من ذلك عندما تطلق القاصرة بعد زواج فاشل تكون عندها صورة نمطية معتقدة انها غير سوية وقد تلازمها عقدة في بقية عمرها حتى إذا ارتبطت بشخص أخر تبدأ بالتفكير ما الذي سوف يقوله عني وهل سيسأل عن تجربتي في الزواج وكيف تطلقت وكيف وكيف ..؟؟ فيتولد عندها خوف من المستقبل وعقدة نفسية قد تلازمها ماتبقى من عمرها .