رشوة القرن: مزادٌ علنيٌّ في البحرين لبيع فلسطين
هرولةً نحوَ تصفيةِ القضية الفلسطينية، توافد ممثلو الأنظمة العربية العميلة إلى المنامة تقودُهم السعوديّة التي اعتادت على التنكُّر بملامح البحرين في كُـــلّ الحفلات الفاضحة التي تقام على “عار” التطبيع مع إسرائيل، لكن هذه المرة لم تكن حفلة، وإنما “مزاد” علني لبيع الأراضي الفلسطينية والإجهاز على القضية بأسرع وقت، تحت شعار “ورشة السلام من أجل الازهار” التي يرعاها سمسارُ “صفقة ترامب” جاريد كوشنير، والتي تمثل الجانبَ الاقتصادي من هذه الصفقة، وهو يتمحورُ في الأساس حول تقديم الرشى اللازمة للوصول إلى الجانب السياسي منها: ضم القدس والمستوطنات إلى الكيان المحتلّ رسمياً، ومنح الفلسطينيين “ملاجئ” في أرضهم، وفي الدول المجاورة.
وبالرغم من إعلان جميع الأطراف الفلسطينية عن مقاطعة هذه “الورشة”، معتبرةً إياها مؤامرة واضحة على القضية، إلا أن السعوديّة كزعيمة للقطيع العربي المطبع، أصرت وحثت على الحضور، وانطلاقا من قاعدة “نحن أعلم بالقضية من أصحابها” ردّد وزير الخارجية السعوديّ، عادل الجبير، جملة “من أجل تحسين وضع الفلسطينيين” التي روّج بها الإسرائيليون للورشة التي حضروها هم أَيْضاً.. وهكذا ظهر المزادُ بغيابِ أهلِ الأرض المعروضة للبيع، كما لو أنه يفصحُ عن هدفه بنفسه.
حِصَصُ الرشوة وأهدافُها
تتمحورُ ورشةُ البحرين بشكل رئيسي حول 50 مليار دولار جمعها “كوشنير” من أموال الدول الخليجية ليطرحها على طاولات المجتمعين الذين جاءوا عالمين بأن قدومهم يشكل إقرار قبول بالصفقة المعروضة التي تقضي بأن يذهب نصف هذا المبلغ “للاستثمار” في مصر والأردن ولبنان، فيما يذهب النصفُ الثاني “للاستثمار” في فلسطين.
وبحسب مصادرَ وتصريحاتٍ فإن “الاستثمار” المذكور فيما يتعلق بفلسطين، سيكون شبهَ حصري للشركات الأمريكية، و”رجال الأعمال الإسرائيليين” الذين تم الإعلانُ عن حضورهم الورشة، كما أن المبلغَ سيتم دفعُه على فترة زمنيةٍ طويلة تصل إلى سنوات، على أن تقام بعضُ المشاريع الخاصة بفلسطين في “سيناء” المصرية، حَــيْــثُ سيتم إنشاء مطار فلسطيني هناك.
هكذا، يتجلى الجانبُ السياسي لـ “صفقة القرن” بوضوح شديد من بين هذه الحصص المالية، فنصيبُ الأردن ولبنان ومصر ليست له علاقةٌ بـ “تحسين وضع الفلسطينيين”، وإنما هو رشوةٌ لوضع بصمة إبهام الدول الثلاث على وثيقة الاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على القدس والمزيد من الأراضي الفلسطينية، بمقابل منح الفلسطينيين “توطيناً” وهمياً في الدول المجاورة، ومنح فرصة لـ “السيسي”؛ ليقول بأنه لم يوافق على أن تكون سيناء “وطناً بديلاً” للفلسطينيين وإنما أعطاهم مشاريعَ فيها لا أَكْثَـــر.
ويقودُنا هذا مباشرةً إلى مضمون “صفقة القرن” التي يمكن القول بأن النظامَ السعوديّ هو من بدأها من خلال ما سمي بـ “المبادرة العربية للسلام” التي قدّمها الملك عَبدالله عام 2002، والتي تقضي بأن يكتفيَ الفلسطينيون بحدود 67، وأن تعترفَ الدول العربية بإسرائيل وتطبِّعَ العلاقاتِ معها، وهو ما لا يصلُحَ حتى كـ “صفقة”، إذ أن كُـــلَّ بنودها في صالح “تل أبيب” تماماً.
اليومَ وبعد 17 عَاماً، تتبنى السعوديّةُ نفسَ العرض “الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات”، لكن المقابل هو أن يكتفيَ الفلسطينيون بـ “حق اللجوء” في الدول المجاورة، والتخلي عن القدس ومعظم الأراضي، والتخلي عن حَــقّ المقاومة أَيْضاً.. هذه هي النواةُ السياسيةُ للصفقة والتي تظهر اليوم مغطاةً بقشرة اقتصادية شفافة في “ورشة البحرين”.
غيابُ فلسطين يفضحُ أطرافَ “الصفقة”
الخريطةُ السياسية لصفقة القرن ظهرت أَيْضاً وبوضوح من خلال حرص السعوديّة على عقد الورشة، ولو بدون الموافقة الفلسطينية التي يفترض بها أن تكونَ الغطاء الوحيد لتمرير أي مشروع يحملُ شعاراتِ التضامن مع فلسطين، ففي الوقت الذي تعلنُ السلطةُ الفلسطينية مقاطعتَها للورشة واعتبارَها مؤامرةً على قضية فلسطين، ويعلن الكيانُ الصهيوني عن حضور ممثليه، يظهرُ وزيرُ الخارجية السعوديّة ليؤكّـــدَ على أن هدفَ الورشة هو “تحسين وضع الفلسطينيين”، ضارباً بالموقف الفلسطيني عرضَ الحائط.
تباينٌ فاضحٌ يؤكّـــدُ على أن الأطرافَ الحقيقية للصفقة التي تتبناها ورشةُ البحرين بشكل رسمي، هم السعوديّة والإمارات وطابورُ الدول العربية التابعة لهما (ما عدا فلسطين) من جهة، وتل أبيب وواشنطن من الجهة الأخرى، أي أنها “الوضع” يتكلم الجبيرُ عن “تحسينه” ليس وضع الفلسطينيين بل وضع سماسرة الإدارة الأمريكية وقادة الكيان الصهيوني، وبالتبعية وضع قيادات نظامي بن سلمان وبن زايد واتباعهما في المنطقة.
أما على الجانب الفلسطيني الذي تجاهلته “ورشة البحرين” فلم يكن هناك سوى التأكيد الرسمي والشعبي على أن الورشة “لا مستقبل لها” تماماً كصفقة القرن، تأكيدٌ ظهر أَكْثَـــرَ واقعية وتماسكاً من تصريحات المجتمعين في البحرين الذين لم يستطيعوا تلافيَ الظهور بشكل فاضح وتجنب الكشف الإفصاح عن الهدف الحقيقي من اجتماعهم، ففي نهاية الأمر القرار الحقيقي لأصحاب الأرض.