عربي و دولي

التطرف الديني يخوض معركته مع الفن في اليمن

الخميس 13 يونيو 2019 07:45 مساءً عدن بوست - مفيدالحميري:

بعد 4 أعوام من الحرب في اليمن، برزت تغيرات كثيرة على كل المستويات، ربما أبرزها تراجع حضور عدد من الجماعات المتشددة المتعددة الأوجه والاتجاهات، والتي أسهمت في تصاعد حدة التطرف الديني، الذي أصبح ظاهرة ملموسة في البلد.
وذهبت بعض القوى الدينية، بحسب مراقبين، إلى «خوض معركتها الخاصة، وفق إجراءات متتالية ومدروسة، لتعزيز سلطتها، في حربها ضد الفنانين والمثقفين، باعتبارهم النقيض لأطروحاتها وأيديولوجياتها المتطرفة، والعقبة المستقبلية أمامها»، كما حدث مع فيلم “10 أيام قبل الزفة”، إذ أوقفت القوى المتطرفة دينياً ضد عرضه في محافظة تعز (جنوب غربي البلاد)، رغم إعلان مكتب الثقافة في المحافظة، مطلع يونيو الماضي، اعتزامه تدشين روزنامة برامج ثقافية وفنية وترفيهية، خلال إجازة عيد الفطر المبارك، من بينها هذا الفيلم، الذي حصد عدة جوائز عالمية، وتم عرضه في عدد من الدول العربية والأوروبية، غير أن تلك البرامج، وبحسب مدير مكتب الثقافة في تعز، عبدالخالق سيف، «لم يكتب لها النجاح».

منع عرض فيلم “10 أيام قبل الزفة”

أرجع سيف، سبب فشل تنفيذ تلك البرامج، إلى «حملات التحريض والتهديد التي شنتها قوى دينية متطرفة في المدينة، تحت يافطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
وأكد، في تصريح خاص لـ”المشاهد”، أنهم «تلقوا بعد ذلك توجيهات من قبل السلطة المحلية، بإيقاف الفيلم والبرامج التي كان يعتزم مكتب الثقافة تنفيذها خلال إجازة عيد الفطر المبارك».
وفي السياق ذاته، أوضحت إدارة عروض فيلم “10 أيام قبل الزفة”، في بيان حصل «المشاهد» على نسخة منه، أنه «تم إلغاء عروض الفيلم بعد استكمال كافة الإجراءات الرسمية من قبل السلطة المحلية». وأرجعت إلغاء العرض في مدينة تعز، إلى ما وصفتها بـ«حملة ترهيب وتهديد شنها عضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح، عبدالله العديني، ووصفه بالمنكر».
وأشار بيان إدارة العرض، إلى أن «الأمر وصل إلى تدخل مسلحين متطرفين قاموا بتهديد القائمين على العروض بالتصفية الجسدية».

 


وكان البرلماني والداعية المتشدد عبدالله العديني، شن هجوماً كبيراً على سماح السلطة المحلية بعرض الفيلم. واعتبر، في منشور على صفحته في «فيسبوك»، أن «سماح السلطات بعرض الفيلم جزء من الانحلال الأخلاقي»، حد تعبيره.
وعبر رئيس دائرة الثقافة والإعلام في حزب الإصلاح فرع تعز، أحمد عثمان، عن امتعاضه من عدم عرض الفيلم، كما تم عرضه في حضرموت وعدن، بدلاً من إثارة معركة وهمية لا مبرر لها من الأساس.
وقال لـ”المشاهد”: “إذا وجد قصور يتم تقويمه بوسائل التقييم المتبعة من قبل الدولة والمجتمع المتلقي والنقاد، وعلى الدولة حماية النشاط الثقافي والفني وتنميته، فالفن محفز حضاري وأخلاقي للشعوب»، مضيفاً أن هذا العراك يقزم تعز، وليس له أسباب موضوعية، وكان يمكن أن تثار وتناقش كقضية ثقافية بدلاً من تحويلها إلى قضية صراع واستهداف سياسي لا علاقة له بالثقافة ولا بالفن.
يؤكد عثمان، أن “حزب الإصلاح له أطره المعبرة عنه. وقد عبرنا سابقاً عن موقفنا من العمل المذكور وغيره من النشاط الثقافي”، ويأسف لاستهداف الإصلاح وحشره في الموضوع من قبل البعض الذين كثيراً ما يستدعون الإصلاح في كل قضية، بسبب وبدون سبب، لممارسة هوايات الردح والتشويه ضده، كمهمة ينقصها النزاهة ونظافة المقصد.

استجابة رسمية للتطرف

أصدرت قيادة محور تعز، أمراً لجميع المكاتب التنفيذية بالمحافظة، بعدم إقامة أية فعالية في المدينة، معيدة أسباب منع عرض الفيلم إلى «الحالة الأمنية والعسكرية التي تمر بها المحافظة، واستمرار الأعمال القتالية في كافة الجبهات، ولجوء الحوثيين كعادتهم إلى استهداف الأحياء السكنية والأسواق الشعبية وأي تجمعات أخرى للمواطنين».
وأوضحت قيادة المحور، في مذكرة رسمية وجهتها إلى وكيل أول محافظة تعز، عبدالقوي المخلافي، حصل «المشاهد» على نسخة منها، أن «القرار اتخذ بعد التشاور مع محافظ المحافظة نبيل شمسان، وذلك خوفاً على أرواح المواطنين».
وحملت قيادة المحور مكتبي الثقافة والشباب والرياضة في المحافظة «مسؤولية كافة الحوادث الناتجة عن قيامكم بأي عمل من هذا النوع، أو السماح لفروعكم بالقيام بذلك».

إجراء السلطة المحلية بتعز، أثار جدلاً واسعاً في أوساط اليمنيين، كونه تكريساً لحكم الجماعات المتشددة، التي باتت تشكل سلطة دينية قمعية تعمل على تقويض سلطة الدولة، تحت مبرر حماية الدين. في حين اعتبره البعض مؤشراً خطيراً ينبئ عن بروز صراع جديد بين تلك القوى المتطرفة والقوى الليبرالية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.
وأكد الناشط السياسي، محمد الحميري، لـ”المشاهد”، أن خضوع السلطة المحلية لتلك الأصوات المتطرفة، يؤكد مدى هشاشة صناعة القرار لدى قيادات السلطة المحلية، ويثبت أن من يحكم تعز هي دولة المرشد لا دولة القانون، مشيراً إلى أن حادثة عدن تثبت، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن الحرب التحريضية للقوى المتطرفة، في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، انتقلت من مرحلة التحريض الممنهج، إلى مرحلة كسر العظم. لكن محافظ المحافظة نبيل شمسان، قال لـ”المشاهد”، إنه سيتم عرض الفيلم خلال إجازة عيد الأضحى القادم.

الوجه الآخر للحرب

تزامن قرار منع سلطات تعز عرض فيلم “10 أيام قبل الزفة”، في مدينة تعز، مع استهداف المهرجان الفني الذي أحيته الطفلة ماريا قحطان، في مدينة عدن.
وسبق أن ألغي حفل فني للطفلة ماريا قحطان، كان مقرراً إقامته في 25 أبريل الماضي، خلال افتتاح مول تجاري بمنطقة يافع بمحافظة لحج، بعد تهديدات لمتشددين، اعتبروا الحفل مخالفاً لعادات وتقاليد المنطقة.
وفي سياق موازٍ، داهمت قوات من جماعة الحوثي، الخميس الماضي، فندق سبأ، بالعاصمة صنعاء، وأوقفت حفلاً فنياً، بحجة الاختلاط.
وبحسب مصادر مؤكدة، فإن الحوثيين أوقفوا الحفل، وقاموا بالتحقيق مع الجمهور، والتأكد من هوياتهم.
وفي يونيو 2018، قُتل الفنان المسرحي جلال عبدالله، فور انتهائه من أداء عرض مسرحي في مركز سينما محافظة الضالع، بحجة أنه من أسرة شمالية.
وقال الناشط السياسي الحميري، إن أسلوب التحريض والتكفير الممنهج الذي تقوده عناصر القوى المتطرفة في تعز وغيرها من المحافظات المحررة، أخذ اليوم منحىً أكثر عنفاً ودموية، مضيفاً أن “حادثة التفجير في إحدى الفعاليات الفنية التي أقامتها الطفلة اليمنية ماريا قحطان بعدن، جاءت بعد 4 أيام فقط من حملة التحريض التي شنها البرلماني في حزب الإصلاح عبدالله أحمد علي، بشأن عرض فيلم “10 أيام قبل الزفة”، في تعز، كونه يدعو إلى المجون”.
ويؤكد الصحافي محمد المقبلي، أن “استهداف مدنية عدن وتعز من خلال التحريض والاستهداف للفعاليات الفنية والثقافية، هو النسخة الثانية من الحرب على العمق المدني لليمنيين، بعد مقاومة نسخة الحرب الأولى المتمثلة بالانقلاب السلالي العائلي”.
وأوضح المقبلي، في منشور على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن القنبلة الصوتية التي تم تفجيرها في فعالية ماريا قحطان بعدن، الخميس الماضي، هي تنفيذ للقنابل الفكرية المتطرفة التي تتموضع تحت جمجمة هاني بن بريك وعبدالله أحمد علي وغيرهما، وهي ذات الأفكار القاتلة التي تم إطلاقها ضد أمجد عبدالرحمن وعمر دوكم، مشيراً إلى أن تلك الأفكار المتطرفة تحولت إلى رصاص اغتيال.

معركة الوعي مستمرة

قال عبدالخالق سيف، مدير عام مكتب الثقافة بتعز، إن معركة الوعي ضد الأفكار المتطرفة مستمرة، وهي معركة مفتوحة، سينتصر فيها العلم على الجهل.
ودعا رئيس دائرة الثقافة والإعلام في حزب الإصلاح فرع تعز، أحمد عثمان، الجميع إلى الإنصات لصوت العقل، والابتعاد عن التمترس وراء متاريس الخصومات، واستغلال القضايا العامة وتحميلها ما لا تحتمل لخوض معارك خاصة وصغيرة، وتصفية حسابات على حساب المصلحة العامة وسمعة تعز، مشيراً إلى أن تعز تضررت كثيراً من المناكفات وتوظيف القضايا وتحويلها إلى أدوات حرب خارج الموضوع، وبصورة تعسفية، ضد هذا الطرف أو ذاك، وبوسائل تفتقر إلى المصداقية وشرف الخصومة، وتجافي الأخلاق السياسية والمهنية المفترضة في أرباب الكلمة.