ثقافة و فنون

«الفضول»: النائم في حضن الغمام

الثلاثاء 07 أغسطس 2018 07:43 مساءً عدن بوست - صفيه مهدي:

«هي أرضي زرعت لي في فمي/ بسمة الخير وناب الضيغمِ، وهو إيماني يؤاخي في دمي/ فرحة النصر وحزن المأتمِ»
بهذه الكلمات والكثير من أمثالها، نحت الشاعر والصحافي والثائر والسياسي، عبدالله الوهاب نعمان، أسمه بحروف من ذهب ونور، في سجلات التاريخ اليمني المعاصر، وأكمل أبياتها قائلاً:
«عز أرضي كله فيّ أنا/ فهوانٌ كلهُ إن هان بعضي»، «أقاسم الطير في الأعشاش ضوء البكور، وأشرب كؤوسي من الإصباح إشعاع نور، وألُف بالأنداء روحي وكم قد نمت في حضن الغمام؛ إنَّما مكانني ضمآن»".
ونعمان الذي يعد أحد رواد الثقافة والحركة الوطنية، هو من يردد الأطفال والكبار من المدارس إلى المناسبات كلمات النشيد الوطني التي كتبها بخط يده؛ وصاحب أسلوب متفرد بأعمال الفنية الوطنية والعاطفية التي صدح بأغلبها الفنان الكبير، أيوب طارش عبسي.
من الحجرية إلى صنعاء وعدن
ولد الفضول، في العام 1917 في قضاء الحجرية لواء تعز، ثاني أصغر أبناء الشيخ عبدالوهاب نعمان، الذي كان من أوائل الثوار على حكم أسرة حميد الدين، منذ بداية تسلمهم الحكم من الأتراك عام 1918، تلقى مع إخوته جزءًا من تعلميه على أيدي والده في صنعاء، ثم على يد ابن عمه الأستاذ أحمد محمد نعمان، في ذبحان بالحجرية، ودرس بعد ذلك في مدينة زبيد، على يد عبد الله المعزبي، من أشهر علماء زبيد، وفي الفترة 1941 إلى 1944 عمل بالتدريس في «المدرسة الأحمدية» في تعز.
في أولى محطاته السياسية، التي تشير إليها سيرته الذاتية المنشورة على موقعه الإلكتروني، والذي يشرف عليه نجله، غادر عبدالله عبدالوهاب، إلى عدن، بعد أن علّم، بصدور توجيهات من الإمام باعتقاله، وفي الأخيرة، انضم إلى «حركة الأحرار»، حيث كان من «مؤسسي حزب الأحرار اليمنيين»، ويعتبر «الفضول» وهو اللقب الذي اشتهر به، من أوائل رجال حركة الأحرار ومن أبرز كتّابها، وعمل مدرّساً للغة العربية، في مدرسة بازرعة الخيرية، في عدن، قبل أن يترك التدريس، ويصدر جريدة «صوت اليمن»، الناطقة باسم الجمعية اليمنية الكبرى عام 1947، وكانت له مقالات سياسية في جريدة «فتاة الجزيرة» بتوقيع «يمني بلا مأوى».
صحيفة «الفضول»
فيما تلى ذلك، كان العام 1948 وما شهده من ثورة «الدستور» التي فشلت، محطة محورية في تاريخ اليمن ورجال الحركة الوطنية، ومنهم عبدالله عبدالوهاب، الذي أُعدم والده على إثرها، وكتب قصيدة طويلة حولها «في مشرق الإصباح صغتُ بياني...»، وعقب ثورة 1948، بدأت رحلته مع «الفضول» التي أخذ منها لقبه المشهور، حيث أصدر صحيفة «الفضول» في عدن، بأسلوب سياسي ساخر، ومن جملة المراجع التي أطلع عليها «العربي»، يقول نجله السفير مروان نعمان، إن الصحيفة «استمرت في الصدور مايزيد عن خمس سنوات من ديسمبر 1948 وحتى اكتوبر 1953. وكانت تصدر كل نصف شهر، وأحياناً، مرة واحدة في الشهر».
وتعد «الفضول» من أشهر الصحف في تاريخ الصحافة اليمنية، وقد جرى إغلاقها بقرار من الاحتلال البريطاني الذي رفض تجديد الترخيص لصدور الصحيفة، وفي المرحلة التي تلاها اعتزل عبدالوهاب الشعر، وارتبط بصداقة أمير الكويت الراحل جابر الأحمد الجابر الصباح، والذي عينه قنصلاً فخرياً للكويت في كينيا، وقد كتب الفضول بامتداحه في إحدى القصائد.
بعد ثورة سبتمبر
عقب ثورة 26 سبتمبر 1962، عاد الفضول إلى عدن وتنقل في الإقامة بينها وبين صنعاء، وشغل وزيراً لشؤون الوحدة، كما كان قريباً من ثاني رؤساء الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي يومها)، القاضي عبدالرحمن والإرياني، وفي العام 1966، تعرض الفضول للاعتقال مع مجموعة من السياسيين الآخرين، في سجن «الرادع» الشهير، عندما قامت السلطات المصرية باعتقال حكومة أحمد محمد نعمان في القاهرة، وكتب على إثر ذلك قصيدة عتاب للمصريين بعنوان «أرض المرواءات».
وفي الفترة نفسها، عقب الثورة، كان الفضول قد كتب قصيدتين باسم مستعار، لحنهما الفنان الكبير محمد مرشد ناجي، وسُجلتا في «إذاعة عدن» وهما أغنية «شبان القبيلة»، وغناها الفنان محمد صالح عزاني، والفنانة فتحية الصغيرة، والأخرى غناها الفنان أحمد علي قاسم، لتستمر رحلته في جملة من القصائد الغنائية والحماسية الوطنية، أبرزها النشيد الوطني «رددي أيتها الدنيا نشيدي»، و«املأوا الدنيا ابتساما»، «يا سماوات بلادي باركينا»، «هذي يومي»، و«هتاف الشعب».
ومن أوائل القصائد الغنائية التي كتبها الفضول، وأداها أيوب طارش، «دق القاع دقه» و«عدن عدن»، وهما بداية التعاون الذي شكل معه الفضول أيوب ثنائياً فنياً متميزاً عبر سلسلة من الاغاني العاطفية والوطنية ذات الانتشار الواسع، ومنها على سبيل المثال طاب البلس، وادي الضباب، قلبي يسالني، محلى هواك، مهما يلوعني الحنين، هيمان، من أجل عينك، لك أيامي، مهلنيش، وقد غنى للفضول فنانون آخرون، أبرزهم، عبدالباسط عبسي، وقد احتل صوتهما، خصوصية بالنسبة لتعز، حيث يقول مروان نعمان إن الفضول ارتقى بالكلمة المحلية في تعز، وأرتفع بها لتصحب في مصاف الكلمة الفصحى، فأرتقى بذلك بذوق المستمع، ولم يكن في أي قصائده ينزل من هذا الارتفاع. ومثال على ذلك قصيدة أنت الأمان، حيث يقول «هيا معي نمشي نرى وردنا... على طريق الحب كم أخصبين».
كتب الفضول بالفصحى والعامية اليمنية جملة من القصائد جسدت تجربته العاطفية، وتذكر سيرته أن «كوكب الشرق» أم كلثوم، توفت بينما كانت تقوم بتلحين أغنية من كلماته، وذلك بعد أن أخذتها «عبر صديقي عمره جازم الحروي وأمين قاسم سلطان»، وهي قصيدة «أحلام السنين» للفضول، لتغنيها من جملة أغانيها التي عزمت على غنائها لشعراء من كل الوطن العربي، غير أن ذلك لم يتحقق لوفاتها، قبل أن يقوم أيوب طارش بغنائها بعنوان «لك أيامي».
«الفضول» والنشيد الوطني
يعد النشيد الوطني ملازماً لذكر «الفضول»، كأبرز قصائده التي اختيرت نشيداً وطنياً للجنوب قبل الوحدة، ولليمن الموحد، وهو ألحان أيوب طارش، وحسب موقع «الفضول» كان اختياره القصيد نشيداً وطنياً لجنوب الوطن قبل الوحدة، بناء على اتفاق في الكويت بين الرئيسين حينها علي عبدالله صالح، وعبدالفتاح اسماعيل، في العام 1979، حيث اتفق الرئيسان أن يكون النشيد هو النشيد الوطني للشطرين، ولليمن الموحد. وذلك الاتفاق هو أساس إقرار «رددي رددي أيتها الدنيا نشيدي» كنشيد وطني لليمن الموحد.
في الخامس من يوليو 1982، غيّب الموت «الفضول»، على فراشه بتعز جراء سكتة قلبية، عن عمر يناهز 65 عاماً، ويقول الدكتور عبدالعزيز المقالح، في مقالة منشورة على موقع «الفضول» «لقد كان موته مفاجئا قيل انه قبل أن يودع هذه الدنيا بساعة، وربما أقل قليلا، كان قد أتصل بأحد أصدقائه إلى صنعاء يحدثة عن مشاريعه وأحلامة القادمة، لكن الموت هو الحقيقه الوحيدة».
ويرى أن الفضول بدأ «رحلته مع الكلمة في أشد مراحل التاريخ اليمني صعوبه، وقوة، كان ذلك في أوائل الأربعينيات، وهو شاب لم يكمل العشرين بعد؛ وكان قد ارتضى لنفسه أسلوباً شعرياً وأدبياً متميزاً، هذا الاسلوب يقوم علي السخرية التي تحدث فيها عن الأمام يحي، وأركان نظامة العجوز... كانت البداية الصاخبة الطائرة من الآفاق: «باللحى باللحى أبيدوا قواهم/ بالمساويك قاوموا الطائرات، فمساويككم أشد وأدهى/ ولحاكم من أكبر المعجزات».