ثقافة و فنون

عمر الجاوي... شاعر الكفاح والحياة

السبت 30 ديسمبر 2017 11:19 مساءً عدن بوست -عدن:

بعد 20 عاماً على رحيله، ما تزال جمرة الأديب والمناضل والسياسي اليمني الجسور عمر عبدالله السقاف، الملقب بالجاوي، تتوقد في ضمائرنا وأرواحنا، وما يزال حضوره مائزاً في مخيلة النضال وذاكرة التثوير والتنوير، فهو لم يكن سياسياً محنكاً، فحسب بل كان ثائراً ومناضلاً ومنوراً، وشاعراً ومثقفاً يسارياً نزيهاً ووطنياً من الصف الأول.
ولد في قرية الوهط بمحافظة لحج، في العام 1938م، ونشأ في مديرية تبن مسقط رأسه وتلقى تعليمه الأولي هناك، ثم انتقل إلى تعز، ومنها انتقل بعد حصوله على منحة دراسية إلى القاهرة، وفي حلوان درس الإعدادية والثانوية، وأسهم هناك في تأسيس اتحاد الطلبة اليمنيين، وتم انتخابه في المؤتمر التأسيسي الأول له في العام 1956م عضواً للهيئة الإدارية. ثم طرد من قبل السلطات المصرية لميوله اليسارية، في العام 1958م، بمعية مجموعة من زملائه ليعود إلى تعز ومن ثم ينتقل إلى موسكو بعد حصوله على منحة دراسية إليها وهنالك يكمل دراسته ليتحصل في العام 1966م، على شهادة الماجستير في الصحافة، ويقدم مشروعه للدكتوراه، لكنه يعود إلى اليمن وينشغل ويتوقف عن إكمال الدكتوراه بعد ذلك. كان الجاوي يجاهر برفضه لنظام القطيع وحرف مسارات الوحدة وتجييرها لصالح الفرد والعائلة
وفي العام 1967م رأس تحرير صحيفة «الثورة»، وشارك في تأسيس أول وكالة أنباء يمنية في منتصف الستينيات ورأسها، فكان شعلة من النشاط ومثالاً للجدية والمثابرة، مؤثراً في من حوله بشخصيته الكاريزمية وإخلاصه لعمله وحبه للناس الذين بادلوه حبا بحب وعملوا معه بإخلاص وتفانٍ.
وفي ثمانينات القرن الماضي أسهم في تأسيس اتحاد الأدباء والكُتّاب اليمنيين بمعية نخبة من أكثر أدباء اليمن نضجاً ووطنية وميولاً للحقيقة وحب الناس والتفاني من أجلهم، وتولى منصب الأمين العام له منذ 1980 حتى عام 1990.
كما أنه صاحب رصيد نضالي ممتد، إذ شارك في تأسيس «المقاومة الشعبية للدفاع عن الثورة» أثناء حصار القوات الملكية لمدينة صنعاء في العام 1968م، وصار قائداً لها، فانخرط فيها مجموعة من الفلاحين والعمال والجنود والفلاحين الذين فضلوا النضال تحت قيادة الرجل النزيه والمناضل الجسور الذي لم يتوان لحظة في الإقدام. وقد كان تأسيسه لتلك المقاومة نواة لتأسيسه لحزب العمال والفلاحين عام 1969م.
وكان قد توقف عن العمل السياسي في عدن بعد عمله في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، حتى قيام الوحدة ثم استأنف نشاطه السياسي بعد الوحدة وأسس حزب «التجمع الوحدوي اليمني»، وأصدر صحيفة «التجمع» الناطقة باسم هذا الحزب، وتم تعيينه في العام نفسه مستشاراً لمجلس الرئاسة بدرجة وزير.
أثناء عمله ونشاطاته كان يجاهر برفضه لنظام القطيع وحرف مسارات الوحدة وتجييرها لصالح الفرد والعائلة والإقطاعيات المشيخية، فتعرض لمحاولة اغتيال في العام 1991م، وأصيب إصابة بالغة، لكنه نجا منها، وتوفي فيها المهندس حسن الحريبي، أحد قيادات حزب «التجمع الوحدوي»، وبرغم ذلك لم يتوقف عن المناداة بإعلاء إنسانية الإنسان واحترامه وإعادة الاعتبار للنظام والقانون.
وبعد ازدياد حدة التوتر السياسي بين شركاء المشهد السياسي حينها، شارك في العام 1993 في لجنة الحوار الوطني التي كُلِفَتْ بصياغة وثيقة «العهد والاتفاق» في محاولة لإنهاء تلك الأزمة، وقد شارك في التوقيع عليها بمعية زعماء الأحزاب السياسية في العاصمة الأردنية عمّان في 20 فبراير 1994م.
وقد كانت كتاباته لافتتاحية مجلة «الحكمة» التي كانت توزع في شطري اليمن على مدار 18 عاماً قبل الوحدة، مثار جدل واهتمام، لجديتها وتناولها أحلام اليمنيين وآمالهم في التوحّد وفي الخلاص والانعتاق من حكم الفرد وجبروته، وبرغم انشغالاته التي ازدادت كثافة بعد العام 1990 وعمله التنظيمي والسياسي والنقابي فقد وجد وقتاً للكتابة والإبداع والترجمة ومن مؤلفاته:
1. «حصار صنعاء، ريبورتاج صحافي» 1975، مطابع صوت العمال، عدن.
2. «الزبيري.. شاعر الوطنية» 1972م، مطبعة الجمهورية، عدن.
3. «صمت الأصابع»، شعر، 2003م، اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، صنعاء.
4. «الصحافة النقابية في عدن» بحث 1976م، مؤسسة 14 أكتوبر، عدن.
5. ترجم عن اللغة الروسية كتاب «سياسة الاستعمار البريطاني في عدن« للباحثة فالكوفا.
وفي يوم 23 ديسمبر من العام 1997م توفي في مدينة عدن، ليظل خالداً في وجدان اليمنيين وضمائرهم الحيّة شاهداً على التحولات والأحلام التي أريقت مع دمائهم وعرقهم على أرصفة الصراع السياسي، تاركاً علامات استفهام حادة وجارحة... فماذا كان سيقول؟ وكيف كان سيعبّر لو كان مايزال حياً؟