الجنوب وهبة القبيلة والخطبة !!

القبيلة يا قوم لا تؤسس لوطن ومواطنة ، فالقبيلي كائن عضوي انتمائه الوحيد لقبيلته وعشيرته ، كما وموطن القبيلي صغير وضئيل لا يتعدى مضارب بني عرقه وفخيذته ، كذلك هي خطبة الجمعة عندما تتجاوز رسالتها كموعظة حسنة غايتها تهذيب النفس والذهن معا وبما يجعل السلوك البشري متزنا ومقننا بوازع التقوى الايمانية .
الصلاة صلة ايمانية روحية بين العابد والمعبود والفقه الشرعي في مجمله منظومة قيمية روحية انسانية حياتية مقصدها الاساس الانسان وحفظ كينونة حياته ومعتقده ونسله وماله وكرامته ومصلحته .
لذا وحين أسمع الآن بهبة جنوبية تقودها قبيلة او قولوا قبائل ؛فإنني اشعر بالفزع على ذاتي وانتمائي ومستقبلي ، وحين أسمع بهيئة شرعية جنوبية تدعونا وبفتوى او بيان الى ثورة شعبية لاستعادة الدولة وتقرير المصير ؛ فإنني أحس بوجع غريب يتسرب الى اعماقي ،لكأن نصل مسموم تغلغل غيلة وعلى غفلة مني ممزقا ما بقي في نبض فؤادي من حياة وأمل ومحبة وتطلع لمستقبل جدير لأن نعيشه بحرية وكرامة وعدالة .
إما وحين تكون الدعوة لهذه الهبة الشعبية من قبائل حضرموت ومن هيئة مشايخ في عدن ؛ فإنني بكيت كطفل كظيم فقد والديه بغتة وفي حادث مروع واليم ، فحضرموت وأيا كان مرارة مصابها ، وأيا كانت مأساة ابنائها .
وأيا كان عبث قوم يأجوج ومأجوج في مقدراتها وثروتها وثقافتها تبقى في النهاية حضرموت الحضارة والتاريخ والمدنية والتعايش الانساني والمواطنة المتساوية المتحضرة والاحترام والتبجيل لثقافة التسامح الديني والفكري التعددي وغيرها من الاشياء النفيسة التي تمايز بها الحضرمي عن سواه كما وبها قدر له التمدد لأصقاع جغرافية في الهند والخليج وجزر القمر والقرن الافريقي وسواحل افريقيا وحتى جزر جاواه وماليزيا وإندونيسيا وووالخ .
إما وعندما تكون الهيئة الشرعية هي ممثل عدن ومحافظات الجنوب قاطبة ؛فبكل تأكيد المسألة خطرة كفيلة باستدعاء ما هو أكثر من القلق أو النحيب على عدن والجنوب عامة ، ففي كل الاحوال القبيلة والمطاوعة ليسوا مؤهلين مطلقا لقيادة دفة وطن وشعب والبلوغ بهما الى مصاف الحضارة والحداثة والمدنية باعتبارها جميعا غاية جوهرية تسعى لتحقيقها معظم مجتمعات العصر الراهن .
نعم حزين جدا بكون الجنوب ينحدر الى هذا المستوى المخيف المفجع ؛ ومع ذلك مازلنا نعتقد اننا في جادة المستقبل المختلف كليا عن واقع نعيشه في كنف القبيلة وكهنة الدين . أين الاحزاب السياسية ؟ أين النخب الفكرية والمدنية ؟ أين النقابات وأين مكونات الحراك وأين القيادات الجنوبية وأين البيض وباعوم وناصر والعطاس وبن علي ومسدوس والشنفرة والخبجي ووووالخ من المسميات والاسماء ؟ .
أين ذهبتم يا من صدعتم رؤوسنا بتصريحاتكم وبياناتكم ودعواتكم للزحف ؟ أين انتم يا رجال الحداثة والتحضر والدولة الجنوبية الراقية المتطورة الديمقراطية ؟ أين ذهبتم يا دعاة الدولة المدنية المتحررة من اغلال التخلف والعبودية والاضطهاد الممارس الآن في دولة سدنتها مشايخ القبيلة والفتوى الدينية ؟
لست هنا بمقام من يتشفى ؟ لكنني فقط اعجب واتعجب من هذا التناقض المخيف ، فثورة الشباب تعيبون عليها بكونها مختطفة من اشياخ القبيلة والدين فيما انتم تسلمون ثورتكم وبكل غباء ورضاء لهؤلاء المشايخ الذين يتصدرون المشهد الجنوبي . نعم إنكم هنا تماثلون اولئك الاغبياء الافغان الذين مكنوا ملالي طالبان من حكم بلدهم وإذا بهم ومن حيث لا يعلمون يمكنونهم من اعادة افغانستان الى العصور الحجرية .
الجنوبيون كذلك حين يغامرون بنضالهم وثورتهم ودولتهم ،فمع تضامني الكامل مع اسرة الشيخ سعد بن حبريش الذي قُتل ظلما وعدوانا ومع احترامي وتقديري لكافة قبائل حضرموت المستنفرة قواها اليوم كيما تقتص لمقتل احد رجالها الافذاذ ، ومع احترامي – ايضا – للشيخ بن شعيب واشياخ هيئته الشرعية ؛ فإنني لا أجد في هكذا صرخات ودعوات ما يجعلني اطمئن بان المستقبل سيكون افضل وان مجتمع الجنوب سيكون انحيازه فقط للدولة الحديثة القائمة على اساس العدالة الاجتماعية وحرية المعتقد والفكر والمواطنة المتساوية والرفاهية وسواها من قيم الدولة العصرية ، فكل ما اراه من مظاهر الكفاح يؤكد فقط ان الجنوب وفي حال مضى خلف اشياخ القبيلة والمذهب فإنه كمن ينحر دولة ووطن قربانا للعبودية والكهنوتية .
YOU for information technology